فصل: الشاهد الخامس والتسعون بعد الستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.هدية أفريقية.

كان السلطان قد حصل بينه وبين سلطان أفريقية أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي حفص الموحدي مودة والتئام وكانت كثيرا ما تجددها الهدايا من الجانبين ونذكرها إن شاء الله تعالى ولما بلغ الخبر إلى تونس بما كان من نكبة السلطان وما كان أمره امتعض له هذا السلطان بتونس وتفجع لشأنه وأقام يستطلع خبره ويستكشف من الجار التي تحضر إلى مصر من أهل تونس أنباءه حتى وقف على الجلي من أمره وما كيف الله من أسباب السعادة في خلاصه وعوده إلى كرسيه فملا السرور جوانحه وأوفد عليه بالتهنئة رسوله بهدية من المقربات على سبيل الوداد مع خالصة من كبراء الموحدين محمد بن أبي هلال فوصل في العشر الأواخر من رمضان سنة اثنتين وتسعين فتلقاه السلطان بالكرامة وركب محمود أستاذ داره ليتلقاه عند نزوله من البحر بساحل بولاق وأنزل ببيت طشتمر بالرميلة قبالة الإصطبل وأجريت عليه النفقة بما لم يجر لأمثاله ورغب من السلطان في الحج فحج وأصحب هدية إلى مرسله من ثياب الوشي والديباج والسلاح بما لم يعهده مثلها وانصرف آخر ربيع سنة ثلاث وتسعين والله تعالى أعلم بغيبه.

.حصار منطاش دمشق ومسير السلطان من مصر إليه وفراره ومقتل الناصري.

لم يزل منطاش شريدا عند التركمان منذ فارق العرب ولما كان منتصف سنة ثلاث وتسعين اعتزم على قصد دمشق ويقال أن ذلك كان بإغراء الناصري يخادعه بذلك ليقبض عليه فسار منطاش من مرعش على نواحي حلب وتقدم خبره إلى حماة فهرب نائبها إلى طرابلس ودخل منطاش حماة ونادى فيها بالأمان ثم سار منها إلى حمص كذلك ثم إلى بعلبك وهرب نائبها إلى دمشق فخرج الناصري نائب دمشق في العساكر لمدافعته وسار على طريق الريداني فخالفه منطاش إلى دمشق وقدم إليها أحمد شكار بن أبي بندمر فثار شيعة الخوارزمية والبندمرية وفتحوا له أبواب البلد ومر باصطبلات فقاد منها نحوا من ثمانمائة فرس وجاء منطاش من الغد على أثره فنزل بالقصر الأبلق وأنزل الأمراء الذين معه في البيوت حوالي القصر وفي جامع شكن وجامع بيبقا وشرع في مصادرة الناس والفريضة عليهم وأقام يومه في ذلك وإذا بالناصري قد وصل عساكره فاقتتلوا عشية ذلك اليوم مرات ومن الغد كذلك وأقام كل واحد منهما في حومته والقتال متصل بينهما سائر رجب وشعبان ولما بلغ الخبر إلى السلطان ارتاب بالناصري واتهمه بالمداهنة في أمر منطاش وتجهز لقصد الشام وأدى في العساكر بذلك عاشر شعبان وقتل أهل الخلاف من الأمراء المحبوسين وأشخص البطالين من الأمراء إلى الإسكندرية ودمياط وخرج يوم عشرين شعبان فخيم بالريدانية حتى أزاح علل العساكر وقضوا حاجاتهم واستخلف على القاهرة الأتابك كمشيقا الحموي وأنزله الإصطبل وجعل له التصرف في التولية والعزل وترك بالقاهرة من الأمراء جماعة لنظر الأتابك وتحت أمره وأنزل النائب سودون بالقلعة وترك بها ستمائة من مماليكه الأصاغر وأخرج معه القضاة الأربعة والمفتين وإرتحل غرة رمضان من السنة بقصد الشام وجاء الخبر رابع الشهر بأن منطاش لما بلغه مسيرة السلطان من مصر هرب من دمشق منتصف شعبان مع عنقا بن أمير آل مراء الصريخ منطاش فكانت بينهما وقعة انهزم فيها الناصري وقتل جماعة من أمراء الشام نحو خمسة عشر فيهم إبراهيم بن منجك وغيره ثم خرج الناصري من الغد في إتباع منطاش وقد ذكر له أن الفلاحين نزعوا من نواحي دمشق واحتاطوا به فركب إليه منطاش ليقاتله ففارقه أتابكه يمازتمر إلى الناصري في أكثر العساكر وولي هاربا ورجع الناصري إلى دمشق وأكرم ايمازتمر وأجمل له الوعد وجاءه الخبر بأن السلطان قد دخل حدود الشام فسار ليلقاه فلقيه بقانون وبالغ السلطان في تكرمته وترجل حين نزوله وعانقه وأركبه بقربه ورده إلى دمشق ثم سار في أثره إلى أن وصل دمشق وخرج الناصري ثانية ودخل إلى القلعة ثاني عشر رمضان من السنة والأمراء مشاة بين يديه والناصري راكب معه يحمل الخبز على رأسه وبعث يعبر في كتاب نائب حماة بالعذر عما وقع منه وأنه إتهم الناصري في أمر منطاش فقصد حسم الفتنة في ذلك واستأمن السلطان وضمن له إحضار منطاش من حيث كان فأمنه وكتب إليه بإجابة سؤاله ولما قضى عيد الفطر برز من دمشق سابع شوال إلى حلب في طلب منطاش ولقيه أثناء طريقه رسول سولي بن دلقادر أمير التركمان بهديته واستئمانه وعذره عن تعرضه لسيس وأنه يسلهما لنائب حلب فقبل السلطان منه وأمنه ووعده بالجميل ثم وفد عليه أمراء آل مهنا وآل عيسى في الطاعة ومظاهرة السلطان على منطاش ويعبر وأنهما نازلان بالرحبة من تخوم الشام فأكرم السلطان وفادتهم وتقبل طاعتهم وسار إلى حلب ونزل بالقلعة منها ثاني شوال ثم وصل الخبر إلى السلطان بأن منطاش فارق يعبرا ومر ببلاد ماردين فواقعته عساكر هناك وقبضوا على جماعة من أصحابه وخلص هو من الواقعة إلى سالم الرودكاري من أمراء التركمان فقبض عليه وأرسل إلى السلطان يطالعه بشأنه ويطلب بعض أمراء السلطان قراد مرداش نائب حلب في عساكره إلى سالم الرودكاري لإحضار منطاش وأتبعه بالناصري وأرسل الأتابك إلى ماردين لإحضار من حصل من أصحاب منطاش وانتهى أنيال إلى رأس العين وأتى أصحاب سلطان ماردين وتسلم منهم أصحاب منطاش وكتب سلطانهم بأنه معتقل في مقاصد السلطان ومرتصد لعدوه وانتهى قراد مرداش إلى سالم الرودكاري وأقام عنده أربعة أيام في طلب منطاش وهو يماطله فأغار قراد مرداش عليه ونهب أحياءه وفتك في قومه وهرب هو ومنطاش إلى سنجار وجاء الناصري على أثر ذلك ونكر على دمرداش ما أتاه وارتفعت الملاجة بينهما حتى هم الناصري به ورفع الآلة بضربه ولم يحصل أحد منهم بطائل ورجعوا بالعساكر إلى السلطان وكتب إليه سالم الرودكاري بالعذر عن أمر منطاش وأن الناصري كتب إليه وأمره بالمحافظة على منطاش وأن فيه زبونا للترك فجلس السلطان بالقلعة جلوسا ضخما سادس ذي الحجة من السنة واستدعى الناصري فوبخه ثم قبض عليه وعلى ابن أخيه كشلي ورأس نوبة شيخ حسن وعلى أحمد بن الهمدار الذي أمكنه من قلعة حلب وأمر بقتله وقشتمر الأشرفي الذي وصل من ماردين معهم وولى على نيابة دمشق مكانه بطا الدوادار وأعطى إقطاعه لقراد مرداش وأمره بالمسير إلى مصر وولى مكانه بحلب حلبان رأس نوبة وولى أبا يزيد دوادارا مكان بطا ورعى له وسائله في الخدمة وتردده في السفارة بينه وبين الناصري أيام ملك الناصري وأجلب على مصر وأشار عليه الناصري بالإنتقاء كما ذكرناه فاختفى عند أصحاب أبي يزيد هذا بسعايته في ذلك ثم ارتحل من حلب ووصل إلى دمشق منتصف ذي الحجة وقتل بها جماعة من الأمراء أهل الفساد يبلغون خمسة وعشرين وولى على العرب محمد بن مهنا وأعطى إقطاع يعبر لجماعة من التركمان وقفل إلى مصر ولقيه الأتابك كمشيقا والنائب سودون والحاجب سكيس ثم دخل إلى لاقلعة على التعبية منتصف المحرم سنة أربع وتسعين في يوم مشهود ووصل الخبر لعاشر دخوله بوفاة بطا نائب دمشق فولي مكانه سودون الطرنطاي ثم قبض في منتصف صفر على قراد مرداش الأحمدي وهلك في محبسه وقبض على طنبقا المعلم وقردم الحسيني وجاء الخبر أواخر صفر من السنة بأن جماعة من المماليك مقدمهم إيبقا دوادار بذلار لما هلك بطا واضطرب أصحابه وهرب بعضهم عمد هؤلاء المماليك إلى قلعة دمشق وهجموا عليها وملكوها ونقبوا السجن وأخرجوا المعتقلين به من أصحاب الناصري ومنطاش وهم نحو المائة وركبت العساكر إليها وحاصروها ثلاثا ثم هجموا على الباب فاحرقوه ودخلوا إلى القلعة فقبضوا عليهم أجمعين وقتلوهم وفر إيبقا دوادار بذلار في خمسة نفر وانحسمت عللهم ثم وصل الخبر آخر شعبان من السنة بوفاة سودون الطرنطاي فولى السلطان مكانه كمشيقا الأشرفي أمير مجلس وولى مكان كمشيقا أمير شيخ الخاجكي انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.